أقدم للقارئ العزيز( خاصة أبناء القرية اكوراي) هذه الخطوط الموجزة تقريرا خاصا عن الأمطار الأخيرة في البلدة ، وأبتغي من ورائها تقديم الوصف الموضوعي طبعا، ثم مشاركته الإحساس والشعور بوطء ما جرى وقـُدِر منه تعالى.
قال تعالى: ( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر) سورة القمر- الآية 11
بدأ الأمر رُويدا مسَاء الخميس عند صلاة المغرب ، تجَهمت السماء فوق القرية وأصبح الجو قاب قوسين أو أدنى من أن يُـنعـَت بالشُؤم ، خاصة وان غـسق الدُجى يستبيح أديم الجبال والوديان من حولها. قطرات خفيفة لطيفة لا تُظهٍر أن وراءها كل هذا الغضب من السماء، حركة الناس منسابة واعتيادية، وكلما تقدمت عقارب الساعة نحو فجر يوم الجمعة إلا وازدادت حُمَى المطر العاصف المقرون برياح مجنونة لا تبقي ولا تذر.
استفاق العباد على هول سيول جارفة تغمرُ كل مكان، مياه الوادي أسفل دُور ألمـُـــو تكاد تُـقبِل مبنى الجمعية المحادي للملعب، وبطن السماء ما زال منشقا يدمَعُ باستمرار، وكل من تسأله بعَجلٍ من الأهل والجيران لا يخبرك إلا بشوقه إلى الشمس وزرقة السماء.
امشي متمايلا بثقل الملابس- فالبردُ آنئذ يقرصُك دون استئذان- وأنا أفحص وجـْه البلدة مليا وقد سوته السيول الهادرة صفحة بيضاءَ كمرآة صالون الحلاق، لا وجود لنتوءات الغدير والسواقي، فالملعب أصبح في لحظات ظهر يوم الجمعة مرتعا لأمواج المياه المتدفقة.أسوار المنازل التي عُـذِبت بمطر منهمر عاصف برياح قوية طيلة الليل والنهار دون انقطاع ، أصبحت منهُوكة القُـوى وبدأت تتهاوى وتنهار تباعا .فلأول مرة – منذ الثمانينات حيث ميلادي- أبصِرُ أجزاء مهمة من أسوار منازل تسجُـد راكعة نحو الأرض.
خرجت توا أبحث بين دروب البلدة عن سر ما تبصِرُه عينايْ، أسوار المنازل مكسُوة بالزرابي والحصائر ومدعومة بالأعمدة والأسلاك وما اتفق من الأشياء الخرافية، منها ما حفرت فيه رياح المطر ندوبا غائرة حتى أخرجت جذوع السقوف والأوتاد ، ومنها ما استسلم فخر هالكا. الناس فوق السطوح يرقِعُون وبين الأسوار يثبِتُون في مشهد عجائبي قريب من حكايات الجدات.
استمر المطر طيلة ليلة السبت ، مما أعاد صبيب النهر إلى مستواه القياسي، في الساعة الثانية صباحا، طغى الماء من جديد وعَـم كل المروج والملعب وما جاورهما قياسا، واستمر الوضع صباح السبت ونهاره، فبدأت دور عليلة في السقوط وأنباء متضاربة عن خسائر ظاهرة.
وقتٌ عصيـــب عــاشته البلدة – اقصِدُ مجَازا أهلها- حيث تعايش الإنسان مع البقر والدجاج جنبا إلى جنب في قاعة الضيوف والتلفاز، ولبس ما وجده أمامه من ثوب وسربال، وانتقلت أسر في رحلة مفاجئة، لا هي صيفية ولا شتوية، عبر بيوت المنزل تبعا لطقس القطرات الرنانة التي تهوي من السقوف وأحيانا تجتمع غزات مطر السقف مع عيون الأرض التي تخرج من أساس الجدار فيصبح الإنسان في أمس الحاجة إلى مركب يطفو به محاكيا قصة نوح علية السلام ، إنها مشاهد واقعية ومؤلمة وسمت البلدة العزيزة، وبدلت ملامح جمــالها بغتة ودون شفقــة.
خرجت مساء السبت رغم رذاذ خفيف أزور منطقة "أغران" ، حيث الضرر كبيرا لحداثة البناء وشراهة الريح العاصف، فصادفت زيارة قـائد المنطقة والمنتخب الجماعي وهم يتفقدون أحوال الناس الذين تجمهروا فجأة وكلهم أنينٌ ووجعٌ والتماسٌ، تساءلت بدوري عن فائدة هذه الزيارات الكارثية – نسبة لزمن الكوارث التي يأتي فيها هؤلاء- التي يكرم بها أهل بلدتي كل مرة ، فالناس هنا يا حضرة المسؤول أصْلبُ وأقوى من أماني باطلة ووعود كاذبة، وإذ هم قاوموا عواصف الطبيعة وظلمها كما الآن، فإنهم قادرون بلا شك أن يطمسوا أنظمة فاسدة وحكومات مغشوشة.
ودعت القرية الثكلى بجراحات العاصفة- وطريقة رحيلنا منها بعدما سُـدت كل السبل يمينا ويسارا وأصبحت المنطقة جزيرة عائمة منكوبة مدة أربعة أيام قصة أخرى - ودعناها وهي بــاكية حزيـــنة ، ولاشك أن الأيام القادمة حابلة بعمل كثير لأهل اكوراي، يضمدون فيها جراحات أسوار بيوتهم ويبحثون عن أجوبة لدى علماء المَـناخ عن جُـور الطبيعة وعدائها المفاجئ لهم ، وربما قد يتساءلون عن حقوقهم – وهو الأجدر- في السكن اللائق والعيش الكريم وتعويضات النكبات والكوارث، ولن يقبلوا مهما كان الأمر كلام المستسلمين الطامحين إلى هلاك الزرع والضرع وجعل سافل القرية عاليها، والذين هم للغو مكثرون.
نسأل الله في الختام – بعد الحمد والشكر له على نعمة سلامة الأبدان والأنفس أولا- أن يحفظ القرية الطيبة، ويبعد عنها بأس الفتن وشر الحاكمين العابثين.
محمد بوطاهر- أزغار في 24 نونبر 2014
قال تعالى: ( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر) سورة القمر- الآية 11
بدأ الأمر رُويدا مسَاء الخميس عند صلاة المغرب ، تجَهمت السماء فوق القرية وأصبح الجو قاب قوسين أو أدنى من أن يُـنعـَت بالشُؤم ، خاصة وان غـسق الدُجى يستبيح أديم الجبال والوديان من حولها. قطرات خفيفة لطيفة لا تُظهٍر أن وراءها كل هذا الغضب من السماء، حركة الناس منسابة واعتيادية، وكلما تقدمت عقارب الساعة نحو فجر يوم الجمعة إلا وازدادت حُمَى المطر العاصف المقرون برياح مجنونة لا تبقي ولا تذر.
استفاق العباد على هول سيول جارفة تغمرُ كل مكان، مياه الوادي أسفل دُور ألمـُـــو تكاد تُـقبِل مبنى الجمعية المحادي للملعب، وبطن السماء ما زال منشقا يدمَعُ باستمرار، وكل من تسأله بعَجلٍ من الأهل والجيران لا يخبرك إلا بشوقه إلى الشمس وزرقة السماء.
امشي متمايلا بثقل الملابس- فالبردُ آنئذ يقرصُك دون استئذان- وأنا أفحص وجـْه البلدة مليا وقد سوته السيول الهادرة صفحة بيضاءَ كمرآة صالون الحلاق، لا وجود لنتوءات الغدير والسواقي، فالملعب أصبح في لحظات ظهر يوم الجمعة مرتعا لأمواج المياه المتدفقة.أسوار المنازل التي عُـذِبت بمطر منهمر عاصف برياح قوية طيلة الليل والنهار دون انقطاع ، أصبحت منهُوكة القُـوى وبدأت تتهاوى وتنهار تباعا .فلأول مرة – منذ الثمانينات حيث ميلادي- أبصِرُ أجزاء مهمة من أسوار منازل تسجُـد راكعة نحو الأرض.
خرجت توا أبحث بين دروب البلدة عن سر ما تبصِرُه عينايْ، أسوار المنازل مكسُوة بالزرابي والحصائر ومدعومة بالأعمدة والأسلاك وما اتفق من الأشياء الخرافية، منها ما حفرت فيه رياح المطر ندوبا غائرة حتى أخرجت جذوع السقوف والأوتاد ، ومنها ما استسلم فخر هالكا. الناس فوق السطوح يرقِعُون وبين الأسوار يثبِتُون في مشهد عجائبي قريب من حكايات الجدات.
استمر المطر طيلة ليلة السبت ، مما أعاد صبيب النهر إلى مستواه القياسي، في الساعة الثانية صباحا، طغى الماء من جديد وعَـم كل المروج والملعب وما جاورهما قياسا، واستمر الوضع صباح السبت ونهاره، فبدأت دور عليلة في السقوط وأنباء متضاربة عن خسائر ظاهرة.
وقتٌ عصيـــب عــاشته البلدة – اقصِدُ مجَازا أهلها- حيث تعايش الإنسان مع البقر والدجاج جنبا إلى جنب في قاعة الضيوف والتلفاز، ولبس ما وجده أمامه من ثوب وسربال، وانتقلت أسر في رحلة مفاجئة، لا هي صيفية ولا شتوية، عبر بيوت المنزل تبعا لطقس القطرات الرنانة التي تهوي من السقوف وأحيانا تجتمع غزات مطر السقف مع عيون الأرض التي تخرج من أساس الجدار فيصبح الإنسان في أمس الحاجة إلى مركب يطفو به محاكيا قصة نوح علية السلام ، إنها مشاهد واقعية ومؤلمة وسمت البلدة العزيزة، وبدلت ملامح جمــالها بغتة ودون شفقــة.
خرجت مساء السبت رغم رذاذ خفيف أزور منطقة "أغران" ، حيث الضرر كبيرا لحداثة البناء وشراهة الريح العاصف، فصادفت زيارة قـائد المنطقة والمنتخب الجماعي وهم يتفقدون أحوال الناس الذين تجمهروا فجأة وكلهم أنينٌ ووجعٌ والتماسٌ، تساءلت بدوري عن فائدة هذه الزيارات الكارثية – نسبة لزمن الكوارث التي يأتي فيها هؤلاء- التي يكرم بها أهل بلدتي كل مرة ، فالناس هنا يا حضرة المسؤول أصْلبُ وأقوى من أماني باطلة ووعود كاذبة، وإذ هم قاوموا عواصف الطبيعة وظلمها كما الآن، فإنهم قادرون بلا شك أن يطمسوا أنظمة فاسدة وحكومات مغشوشة.
ودعت القرية الثكلى بجراحات العاصفة- وطريقة رحيلنا منها بعدما سُـدت كل السبل يمينا ويسارا وأصبحت المنطقة جزيرة عائمة منكوبة مدة أربعة أيام قصة أخرى - ودعناها وهي بــاكية حزيـــنة ، ولاشك أن الأيام القادمة حابلة بعمل كثير لأهل اكوراي، يضمدون فيها جراحات أسوار بيوتهم ويبحثون عن أجوبة لدى علماء المَـناخ عن جُـور الطبيعة وعدائها المفاجئ لهم ، وربما قد يتساءلون عن حقوقهم – وهو الأجدر- في السكن اللائق والعيش الكريم وتعويضات النكبات والكوارث، ولن يقبلوا مهما كان الأمر كلام المستسلمين الطامحين إلى هلاك الزرع والضرع وجعل سافل القرية عاليها، والذين هم للغو مكثرون.
نسأل الله في الختام – بعد الحمد والشكر له على نعمة سلامة الأبدان والأنفس أولا- أن يحفظ القرية الطيبة، ويبعد عنها بأس الفتن وشر الحاكمين العابثين.
محمد بوطاهر- أزغار في 24 نونبر 2014