يقع ضريح بويعقوب بقصر المصلى باسول باقليم الرشيدية ويقام له موسم في يوم خامس عشر شعبان من كل سنة يدوم لمدة ثلاثة ايام.
يقيم شرفاء سيدي بويعقوب بين منطقة يقطنها ايت مرغاد من جهة و ايت احديدو من الجهة الاخرى, ويفصل بين المنطقتين حوالي 45 كلم وهذا قد يعطينا بعض التفسير عن هذا الموقع خصوصا اذا عرفنا الدور الموكول تاريخيا للشرفاء والذي يتمثل في الوساطة بين القبائل المتناحرة. وقد عرفت منطقة تواجد الشرفاء الاستقرار في وقت مبكر, تدل على ذلك بقايا البنيان القديم, روايات المسنين واسماء بعض الاماكن حيث يستشف منها ان المنطقة سكنتها قبائل/مجموعات قبلية: املون, كروان, ازناكن, بني مطير, ايت يلول, ايت الياس, ايت وليد...
وتعرف المنطقة صراعا عنيفا بين مكوناتها حول احقيتها بلقب شرفاء سيدي بويعقوب لما ينطوي عليه ذلك من مصالح اقتصادية جمة: اراضي, عائدات الزاوية...ويتجلى ذلك في قطب سكان اسول وقطب سكان اكوراي, وداخل كل قطب تعتمل صراعات اخرى مرتبطة بالموضوع الا انها تخفت ابان تعمق الصراع بين القطبين الرئيسيين الذي تستغله ايادي خفية لصالحها وتحاول تأبيده لوأد اي فكر وحدوي في المنطقة.
وقبل الحكم بأحقية هذا من ذاك, ورغم المخاطر التي ينطوي عليها الموضوع, ساحاول تقديم الرواية الرسمية التي تتحدث عن سيدي بويعقوب, قدومه, اقامته... ومقاربتها للوقائع التاريخية الرسمية حتى نستشف صحة الكثير مما يقال من عدمه ومحاولة تكوين فكرة جديدة عن المنطقة قد تؤسس لدراسة علمية تعتمد امكانيات التكنولوجيا الحديثة واحدث وسائل البحث لاستكشاف تاريخ المنطقة الغني.
يقال في نسب سيدي ابي يعقوب ما يلي: ينتمي سيدي ابو يعقوب الى سلالة نبي المرسلين سيدنا محمد ص حيث ان نسبه هو: يوسف بن محمد بن ابي بكر بن محمد بن الحسن بن عبد الله بن ابراهيم بن يحيى بن موسى بن عبد الكريم بن المسعود بن صالح بن عبد الله بن عبد الرحمان بن محمد بن ابو بكر بن تميم بن يسر بن ادريس بن عبد الله بن الحسن بن على بن ابي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النصر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن ادريس بن دابرداني بن اليسع بن القزوارة بن اسماعيل بن ابراهيم عليه السلام بن ازر بن دحر بن شيت بن يرعو بن فالم بن عمر بن شلخ بن ازخى بن سالم بن نوح عليه السلام بن متو شلخ بن خنوخ وهو ادريس عليه السلام...الى ادم عليه ازكى التسليم.
ويقال ان سيدي ابو يعقوب خلف ابناء وحفدة وهم:
الابناء: مولاي اسماعيل, مولاي عيسى, مولاي احمد, مولاي عبد الكريم, مولاي مومن, مولاي عبد الواحد ومولاي عبد الرحمان.
الاحفاد: مولاي خلف, مولاي عبد الجبار, مولاي احمد, مولاي علي, مولاي يوسف, مولاي امحمد الذي يوجد ضريحه ببلدة ايت سيدي امحمد ايوسف التي اتخدت اسمها عن هذا الولي الصالح.
ويقال ان سيدي ابي يعقوب استوطن المدينة المنورة لمدة طويلة مع شقيقين له وهما: اسماعيل وزكريا, حيث انفرد كل واحد منهم بخلوة للعبادة ولا يجتمعون الا في يوم الجمعة بعد صلاة العصر للزيارة وقد صاروا على هذا النهج القويم والنبل العظيم الى ان اتى كل واحد منهم رسولا يامرهم بالانتقال الى المغرب, فامتثلوا لامر ربهم, فخرجوا بنور كنور القمر سطع لهم من قبة الرسول ص يتبعونه حتى وصلوا الى مصر, فالاسكندرية ثم الى تونس ثم الى البحر الكبير, اي المحيط الاطلسي حاليا حيث اقاموا بعين الفطر ببلدة اسفي, ووجدوا فيها شجرة الرمان وكانوا يفطرون برمانتين لكل واحد منهم, احداهن حلوة واخرى حمضة, وقد استقر اسماعيل بتلك البلدة حتى دفن فيها رحمة الله عليه كما واصل ابو يعقوب وابو زكريا رحيلهما الى ان وصلا ادخسال بمنطقة خنيفرة ووصل زكريا الى حجة يفرا’ ثم واصل سيدي ابي يعقوب رحيله حيث ينتقل له نوره من بلد الى بلد وذلك من ادخسال الى تمنصورت والى وادي غريس ثم الى مكان يسمى امجران وهو اسول حاليا,
وقد قيل انه خلال رحيل سيدي ابي يعقوب الى امجران كان ممتطيا ناقته, فاصابها العياء في منتصف الطريق على بعد نحو خمسة وثلاثين كلم من كلميمة فحاولت الركوع على الركبة للوقوف فامرها الولي الصالح بمواصلة السير الى اسول ولازال ذلك المكان يعرف بطريق سيدي ابي يعقوب الى الان,
وقد دخل سيدي ابو يعقوب بلدة أسول فاستقبله سكانها الذين هم: كروان وبني مطير بالترحاب وحسن الاستقبال وبعد نزوله بالبلدة بنى مسجدا لاداء الشعائر الدينية فسماه مسجد سيدي ابو يعقوب كما حفر به بئرا بيده فاتى بماء زمزم فصبه فيها فصار الناس يتوضؤون بمائها كما يتشفون بها عن طريق الشراب او الغسل
كما اقام زاوية لاستقبال الزوار الذين يتوافدون عليه من كل جهة لاجل الزيارة او لحضور التظاهرات الدينية التي كان يقيمها رحمه الله.
كما اسس رابطة الموردين للعبادة الجماعية والمعروفة ب موريدي سيدي ابي يعقوب والتي استمرت عبر الاجيال اللاحقة حتى الان وقد انصهر رحمة الله عليه مع سكان المنطقة حيث تزوج باحدى بناتها المنحدرة من اسرة متشبتة بالقيم الاخلاقية وتسمى ام سليمان وانجبت له سبعة ابناء سهر شخصيا على تربيتهم وتلقينهم القران الكريم ومبادئ السنة النبوية الشريفة حيث فتح مدرسة قرانية بجوار مسجده يدرس فيها القران ومبادئ الفقه الاسلامي لابنائه والطلاب الوافدين عليها, توطيدا لاعماله الجليلة ومساعيه الحميدة غير ان نشاطه الديني قد ازعج سكان البلدة واخذوا يفكرون في التخلص منه حيث بدؤوا يضايقونه بالاتهامات الملفقة ومطالبته برفع الضرر الصادر عن الطلاب بحيث انهم يأذون مزارعهم اثناء المرور الى الساقية لمحو الواحهم كل صباح لكن الولي الصالح قد فطن بحيلهم فالتمس منهم ان يبيعوا له الممر الرابط بين المسجد والساقية وذلك لوضع حد لكيدهم غير انهم طلبوا منه ثمنا تعجيزيا من الذهب لكن عناية الله محيطة به فتوجه الى الوادي فملأ رفل سلهامه من رمله فنثره على طول الطريق فاستبدل ذهبا واخده سكان البلدة مقابل تخليهم عن الممر فسماه زقاق سيدي ابو يعقوب غير ان مضايقاتهم لم تنته بعد بل استمروا في العدوان الى ان سلط الله عليهم الافاعي والعقارب تموج بها بيوتهم, فاضطروا عند ذلك للهجرة ومغادرة المنطقة.
هذا وقد كانت حياة الولي الصالح حافلة بالانشطة الدينية الدائبة حيث لم يتوان قط الى ان توفي رحمه الله في اواخر القرن العاشر للهجرة وخلف وراءه خزانة زاخرة بالكتب الفقهية القيمة, لكنها تعرضت للخراب من قبل المستعمر بعد دخوله الى المنطقة كما ترك ممتلكات كثيرة تتمثل في الوصايا والهيبات التي تصدق بها عليه سكان المنطقة الذين انسوا منه الصدق والفضيلة, حيث ان القسط الاكبر من ريعها مخصص لخدمة الزاوية والباقي يوزع على حفدته.
هذا ما يقال عن سيدي بويعقوب, وسنحاول مقاربة البعض مما يقال عنه مع كتب التاريخ والمؤرخين الكبار وكذلك مع الواقع الحالي للمنطقة الذي لايزال يحتفظ بالعديد من الدلالات حتى نتيقن من صحة كل ما يقال.
-2-
ان هذه الدراسة لا تستهدف النيل من قدسية ما قيل, فالاديان حافلة باكثر من هذه الاحداث والاقوال التي لا يمكن للعقل مجاراتها ولا البحث عن قوانينها فهو اما ان يصدق بها ويحسب مع المومنيين او ينكرها فيحشر في صف الزنادقة والملحدين والعلمانيين اي الكفار في القاموس الاصيل, فالنور الذي ظهر لسيدي بويعقوب وامره بالتوجه الى المغرب وخصوصا الى منطقة أسول, وكذلك الرمل الذي تحول بقدرة قادر الى ذهب, لا يساوي شيئا بالمقارنة مع الاسراء والمعراج, شق البحر بعصا موسى, قصة مريم العذراء, يونس والنون, عبد الله امغار الذي يدخل وسط البحر, موسى الذي يحيي الموتى, اولياء يمكنون النساء من خصوبتهم, وآخرون يعلمون اخبار القادم من الايام, وينزلون المطر ويدفعون الشرور عن الناس بل منهم عدد لا يحصى لا يتسع المجال لذكر خوارقهم مادام المغرب كما يقال بلد المائة الف ولي.
ولكن, ورغم كل هذا يبقى من حقنا السؤال او التساؤل وذلك اضعف الايمان:
- هناك رواية مماثلة تخص عبد الله امغار صاحب عين الفطر التي فيها ايضا اختلاف حول اصله والتي لنا اليها عودة بالتفصيل فيما بعد: صنهاجي, علوي, ادريسي... ويذكر فيها ايضا سيدي بويعقوب وهذا حدث في عهد علي بن يوسف المرابطي اي القرن السادس الهجري وليس العاشر؟
- هناك رواية شفهية تقول بان سيدي بويعقوب فر من اعدائه في كلميمة فتوجه الى أسول ممتطيا حصانه ولازال الاجداد يطلعوننا على اثار حذوة فرسه في صخرة شديدة الانحدار في الطريق الرابطة بين كلميمة وأسول ومن حقنا ان نتساءل هل جاء الى المنطقة ممتطيا فرسا ام ناقة حيث هناك مكان آخر فيه اثار ركبة ناقته؟
- اذا اخذنا بعين الاعتبار كل ما يقال, وحاولنا قياسه بالزمن الانساني بعيدا عن زمن الخوارق والاسراء والمعراج, ومع ظروف المعيشة التي كانت سائدة آنذاك, فكيف يمكن الانتقال من السعودية, مصر, تونس, الجزائر ثم الى غرب المغرب والعودة بعد ذلك مرورا بخنيفرة ثم وصولا الى أسول والاستقرار به وحفر بئر ووضع ماء زمزم به, ام انه بعد الاستقرار قام سيدي ابو يعقوب بزيارة اخرى للديار المقدسة حيث اتى بماء زمزم خصيصا لبئر أسول؟
- من حقنا ان نتساءل عن مصير الذهب الذي تسلمه السكان الاصليون للمنطقة, هل انتفعوا به ام تحول الى رماد بعد المشكل الذي وقع لهم مع سيدي بويعقوب؟
- قيل انه خلف وراءه خزانة زاخرة بالكتب الفقهية القيمة, لكنها تعرضت للخراب من قبل المستعمر بعد دخوله الى المنطقة, ولعلمنا فالزاوية لم تتخذ اي موقف عدائي ضد المستعمر لكي يقوم بهذا الاجراء, كما ان المستعمر لم يعاقب احدا على انتمائه للزاوية وانما واجه سكان المنطقة في معركة بادو الشهيرة وبعد ذلك اعتقل الذين هم على علاقة ب زايد احماد. فمن حقنا اذن التساؤل عن مصير الخزانة وعن المستفيد من اندثارها والذي الينا عودة اليه بالتفصيل فيما بعد؟
- يقال انه ترك ممتلكات كثيرة تتمثل في الوصايا والهيبات التي تصدق بها عليه سكان المنطقة الذين انسوا منه الصدق والفضيلة, يستشف من هذا ان السكان لم يعارضوه جميعا وبالتالي فمغادرة البلدة لم تتم جماعيا ايضا: فمن هم اذن السكان الاصليون ومن هم الحفدة خصوصا ان الكل يطلق عليهم اسم شرفاء سيدي بويعقوب ومنهم من لم يلتحق الا مؤخرا الى المنطقة آتيا من قبائل امسمرير وايت حديدو او من قبائل اخرى ...ودخل تحت حماية احد فصائلها بشكل او بآخر وتداعيات ذلك على تقسيم اراضي سيدي بويعقوب واضحة للعيان.
- يقال ان سيدي بويعقوب ترك 7 ابناء وستة احفاد, لكن الواقع لم يحتفظ سوى بواحد وهو سيدي امحمد ايوسف الذي توجد قبته بايت سيديمح, اما الاخرين فلا اثار لهم. اي انهم لم يحظوا بدفن خاص على شاكلة ابيهم واخيهم كما ان مكان دفنهم يجهله الكل على ما يبدو.
- يقال انه تزوج باحدى بنات المنطقة المنحدرة من اسرة متشبتة بالقيم الاخلاقية وتسمى ام سليمان فعن اية قيم اخلاقية نتحدث: الاخلاق الاسلامية مثلا ويطرح معه السؤال حول وصول الاسلام الى تلك المناطق, ام اخلاق اخرى خصوصا ان بعض الروايات تقول انها ابنة ملك المنطقة: اكليد.
- يقال ان سكان اسول الحاليين كانوا يقطنون ب خادمت وهي منطقة لازالت آثار البناء قائمة بها وتتواجد بنفوذ قصر اكوراي حاليا, وان حروبا طاحنة ادت الى نزوحهم الى مكان تواجدهم الحالي, فهل يا ترى وقع هذا قبل وجود سيدي ابي يعقوب ام بعده؟ ان كان قبله, فهذا يعني ان سكان اسول واكوراي لا علاقة لهم بسيدي بويعقوب. فمن هم اذن حفدة سيدي بويعقوب. اما ان كان ذلك بعده, فهل يعقل ان يدخل الحفدة بينهم في حروب طاحنة كهاته ام هناك اشياء مسكوت عنها؟
هناك اسئلة كثيرة يمكن طرحها, البعض منها قد يجد جوابا ان تظافرت جهود جميع المهتمين وسكان المنطقة خصوصا, اما الكثير والمهم منها فيتطلب رفع الحصار المضروب على مجموعة من الوثائق من طرف البعض حماية لمصالح اقتصادية محضة او تابيدا لصراع طاحن عمر لسنين طويلة.