تقديم
عندما يتعرض تاريخك للخراب، بحيث لا تستطيع أن تتعرف حتى على نفسك، و عندما تساورك الشكوك، حول ما يقال عن تاريخك بل عنك، لا بل أقول فيك. يصبح آنذك كل شيء قابل للقراءة و التأويل. بمعنى توضع هذه الأشياء كلها محط الشك و النقاش، و بالتالي توظف لعزيز أو ضحد رواية على أخرى، كما أن هذا التعتيم يشعل فيك نارا تجعلك تتساءل عن موقعك في مجتمع اليوم لا لشيء إلا لكونك تشعر بأنك فقدت حلقة من ماضيك. و عليه فمن منظوري الشخصي سوف أظل أبحث عن هذه الحلقة المفقودة و لو كان الأمر يتعلق برأس أفعى، مستحضرا وضعيتي الحالية التي لا يمكن تلافيها،في أفق الوصول إلى الهدف المنشود.
قد يوهمنا البعض بمفاهيم من قبيل عصر العولمة و الثقافة العالمية أو عولمة الهوية، لكن الاشكالات التي تفرض نفسها أتوجد على هذا الكوكب دولة واحدة يعمرها شعب تجمعه أسس قومية و منسلخة من ماضيها؟ أتوجد دولة قوية لا تعترف بماضيها بصرف النظر عن الأسس القومية؟ أتوجد سلالة حاكمة لا تعرف شيئا عن هويتها؟ فقط الضعفاء يطمس تاريخهم. فل نشمر عن سواعدنا و لنبحث في المنطقة على ما يحيلنا على الماضي و لو كان مرا.
في هذا السياق جاء البحث في بعض الأسس قصد اقتفاء أثر هوية ضائعة تتردد بين جنس الضاد و جنس الزاي.
الدلالة العرقية لأسماء الأماكن
تعـبر أسماء الأماكن في أي منطقة عن لغة الجنس البشري الذي عمرها أول مرة، وعليه فإن هذه الأسماء ترثها الأجناس الوافدة، باستـثـناء بعض المستجدات التي قد يضيفها هؤلاء الوافدون و المرتبطة بثـقافتهم أو بضرورة البيئة الجديدة.
نجد بناءا على هذا التمهيد أن منطقة أكوراي يغلب على أسماء أماكنها الطابع الأمازيغي ؛ فـنورد على سبيل المثال لا الحصر مايلي :
:Tasquiwin-n-tqAJWINالشق الأول من الجملة يسميه السكان المحليون tiqrray"" و حرف الربط n""يفيد أنها منسوبة إلى، أما الشق الأخير فمعناه مجهول، رغم وجود أسماء مشابهة إن لم تكن لها علاقة مباشرة بها. نظرا لهذا فالعلاقة بين المنسوب و المنسوب إليه غير واضحة ، لكن التاء الأولى من الكلمة الأولى تفيد في اللغة الأمازيغية التأنيث.
Azaghar : كلمة موجودة في القامـــوس الأمازيغي و تعني السهل.
ملحوظة: إن هذه الاختيارات مستوحاة من مقياس صغير للمنطقة، وهو أمر مقصود لأن ذلك يجعلنا أمام إشكالية الحدود العرقية التي لا وجود لها.
أما المقياس الكبير فيقحمنا في تفاصيل المجال و يعزز البعد الأمازيغي للمنطقة و هذه لائحة بعض الأسماء:
Talghmt : تعني الناقة أي أنثى الجمل
Tidrgi zizawn : يقصد بها السفح الأخضر
Imlal : للكلمة مدلولين أولهما أنها صفة منسوبة إلى جمع مذكر، قد يكون حيوانا أو إنسانا؛ و تعني البيض أو البيضاء. وثانيهما اسم الغزل. و قيل في رواية أن الأيـل لدى أمازيغيي المنطقة القدماء يسمونه بهذا الاسم، عوض oudad الذي يعرف به حاليا، و أن وادي aqqa-n-ogni كان غابة ممتدة إلى المجرى الرئيسي عند واد غريس؛ أي عند بقايا السد التحويلي المسمى titchikt -n-imlal ، فكانت تستغله هذه الحيوانات للوصول إلى منابع المياه. وهذا يعطي لنا صورة دقيقة عن حجم التدهور الذي لحق بمجالنا جراء عوامل طبيعية ؛ كالجفاف و التعرية العمودية التي رفعت فارق الارتفاع النسبي بين المجرى الرئيسي و الرافد، و عوامل بشرية جعلت من الغابة مصدرا للعيش، فتراجعت مساحتها تدريجيا، بل و اندثرت بسب عدم قدرتها على الاستجابة لمتطلبات الضغط البشري المتزايد.
Aghbalou : كلمة أمازيغية تعني العين المائية ، هذا المنبع هو المحدد الرئيسي لنمط عيش الاستقرار السائد، وبما أن الروايات لم تتحدث عن نضوبها في أي زمن من الأزمنة الغابرة ، فذلك يفيدنا في الجزم بالسبق الأمازيغي لاكتشافها و تسميتها ، فورثها الخلف بالتسمية المذكورة.
يضاف إلى القاموس الأمازيغي الذي ذكرت نماذج منه ، هناك بعض الكلمات الدخيلة المحصورة أبرزها :
السور : ينطقه السكان المحليون بالصور، و لكن لا يتردد الكثير منهم بتسميته Ayadir-n-ssor؛ و هذا معناه أنهم لا يعرفون أن كلمة السور تقتضي ضمنا وجود حائط ، مما يعني أن الكلمة دخيلة .
القصبة: تنطق محليا ب: lqsft و هي حصن دفاعي يتموضع في ركنه برج للمراقبة يعرف باللغة الأمازيغية ب:awddim ، هذه الرطانة في نطق الكلمات العربية لا يوجد لها-في اعتقادنا- إلا تفسير واحد لا يخرج عن كونها من لسان غريب عن السكان المحليين أي الأمازيغ.
أسرافيل: تؤول الرواية الشفوية هذه التسمية إلى تصور عامة الساكنة المحلية لوظيفة الملك إسرافيل عليه السلام، هذا الاعتقاد يصب في كونه يتحكم في الرياح . وبناءا على ذلك لما يحين موسم جمع المحاصيل و درسها و تذريتها على الخصوص لا يتردد الفلاحون في تكرار أدعيات يكون فيها الملك المذكور جوهر البرتوكول، إما على سبيل التودد إذا كانت قوية أو على سبيل الترغيب حالة غيابها نموذج :"أياسرافيل سيلود إ لعوان أدي تبضوض أحبوب د واليمينوayasrafil ssilod i l3wan adi tbdod ahbob d waliminow". ويبدو ذلك منطقيا بالنظر إلى ثلاثة جوانب ، أولها أن منطقة أسرافيل تشهد هبوبا شبه مستمر للرياح أو مايسمى نسيم الوادي ، و ثانيها كون الأماكن المخصصة لدرس أو تذرية المحاصيل "البيادر""إنورار" مقابلة لاتجاه هبوب الرياح و أخيرا التأويل الخاطئ لوظيفة الملك إسرافيل عليه السلام المتمحورة حول النفخ في الصور أي البوق ، فمصطلح النفخ-ربما- يجسد في تصورهم دفع الهواء.
بيئة الاستقرر
ارتبط استـقرار القبائل الأمازيغية ، من طرابلس شرقا إلى المحيط الأطلنتي غــربا ، بالمناطق الجبلية الحصينة أو المناطق الشبه الجافة ، و لم يكن ذلك حبا في هذه المناطق، كما ذهب إليه بعـض المتطفلين على الحقل التاريخي ، طالما أنه يتنافـى مع فطرة الإنـسان ، لكن الوضع مختلف مع القبائل الأمازيغية ؛ فالتآمر و التكالب لازمها منذ عصور ما قبل التاريخ ، هذا العداء تـقـدمـه الاحتلال الروماني و الضغينة التي كانوا يكنونها لهم بمعية جيرانهم اليونانيين ، أوصلتهم إلى نعت الأهالي بالبرابرة ؛ لأنهم لا يتـقـنون لغتهم أو لأن الأمازيغ ينبذون كل أشكال الخضوع ،فخرجوا إلى ما وراء جدار" الليمس" الذي شيده الرومان . ثم ختمها الصراع و العداء للعنصر العربي، هذا الأخير جعـل من الإسلام قناعا لتصريف الأزمة الاقتصادية التي كان يعاني منها مجتمع شبه الجزيرة العربية ، و لا أحـد يشك في ذلك ؛ فـدوافع نشر الإسلام متنوعة لها أبعاد اقتصادية و دينية و معنوية ، فقط كل ما في الأمر أنها مشروعة إبان الخلافة الراشدة ، لكونها تنظر إلى الإسلام كمنطلق و كغاية ، لكن أصبح الإسلام وسيلة في العهد الأموي لتحقيق أهداف اقتصادية ، حيث ساد السلب و النهب و فرضت شتى أنواع السخرة على الأمازيغ ، كما سادت العنصرية لدى الأمويين بتفضيــلهم للعناصر العربية .
نظرا لهذه الظروف و ربما لظروف أخرى نجهلها،ترسخت ظاهريا في ذهنية العديد من المهتمين بمعرفة تاريخ الأمازيغ ارتباطـهـم بالتخلف و العيش في الهوامش و الجبال ، و بالتالي يضاف هذا المعطى إلى ساكني السفوح الجنوبية الشرقية للأطلس الكبير الأوسط في أكـوراي و يصنفهم على عـكس ما يذهب إليه رواة كليلة و دمنة ، و كي يشفـى غليلهم في هذا الصدد، عليهم بدراسة تاريخ الشعوب المضطهدة سواء في أمريكا أو أستراليا (الهنود الحمر الأبورجيون ...) كي يعـرفوا أن استيطان الجبال و المناطق الجافة لم يكن حبا في السياحة .
تكررت هذه الظاهرة في عهد السلاطين العلويـيـن الأوائل ، سيما في عهد السلطان مولاي إسماعيل و مولى سليمان في إطار منع القبائل الأمازيـغية من النزوح نحو السهول . و قد لخص مولاي عبد الله بن إسماعيل سياسته تجاه القبائل الأمازيغـية و باقي العناصر التي تشكل خطرا للسلطة المركزية كجيش عبيد البخاري بقوله : "... أردت أن أقابـل هذا التيس الأسود ـ يعني العبيد ـ بهذا الكبش الأبيض ـ يعني البربر ـ و أستريح من غـصة من هلك منهما و أتمسك بالآخر " الناصري ـ الاستقصا ـ ج 7 ص : 172
لم يـبـق أمام عرق كهذا سوى أرض فلاة يصارع القوى الطبيعية أملا في ترويضها ، و مع ذلك فهي تشكل جزءا من هويته . يتبع....
